فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أي أن الله سبحانه وتعالى يطلب من رسوله صلى الله عليه وسلم تحريض المؤمنين على الجهاد وكأنه يقول له: ادع قومك إلى أن يبعدوا الدنو من الهلاك عن أنفسهم؛ لأنهم إن لم يجاهدوا لتغلب عليهم أهل الكفر، فأهل الكفر يعيشون في الأرض بمنهج السيطرة والغلبة والجبروت، وحين يجاهدهم المؤمنون إنما ليوقفوهم عند حدهم. ولذلك قال الحق تبارك وتعالى: {يا أيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال} [الأنفال: 65].
فكأنهم إن لم يحاربوا أهل الكفر سوف يحيط بهم الهلاك في الدنيا وفي الآخرة. والله سبحانه وتعالى يريد لهم الحياة الآمنة الكريمة في الدنيا والجنة في الآخرة. ونلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قد وضع معيارًا إيمانيا في القتال بين المؤمن والكافر، والمعيار هنا وضعه خالقهم، وخالق قواهم وملكاتهم وعواطفهم. والمعيار الإيماني هو في قوله تعالى: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يغلبوا أَلْفًا مِّنَ الذين كَفَرُواْ} [الأنفال: 65].
إذن فالمعيار الإيماني باختصار يساوي واحدًا إلى عشرة، أي أن القوة الإيمانية تجعل من قوة المؤمن ما يعادل قوة عشرة من الكفار، هذا هو المقياس. وهنا يأتي بعض الناس ليقول: أساليب القرآن مبنية على الإيجاز وعلى الإعجاز، فلماذا يقول الحق سبحانه وتعالى: {عشرون يغلبوا مائتين}. ثم يقول: {مائة يغلبوا ألفا}؛ ألم يكن من الممكن أن يقال: إن الواحد يغلب عشرة وينتهي القول؟.
نقول: إنك لم تلاحظ واقع الإسلام؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذهب مع المؤمنين في قتالهم ويحضر معهم بعضًا من أحداث القتال التي نسميها غزوات. أما البعثات القتالية التي لم يخرج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يكتفي فيها بإرسال عدد من المؤمنين، فقد كانت تسمى سرايا، وهذه السرايا كانت لا تقل عن عشرين مقاتلًا ولا تزيد على مائة، فذكرها الله تعالى مرة بالعشرين ومرة بالمائة.
وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [الأنفال: 65].
ونحن نرى أن المقياس هنا ليس بعدد المقاتلين فقط، ولكن لابد أن يكونوا موصوفين بالصبر، وفي آية أخرى بالصبر والمثابرة، فمن الجائز أن يصبر عدوك فعليك حينئذ أن تصابره، أي إن صبر قليلًا، تصبر أنت كثيرًا، وإن تحمل مشقة القتال، تتحمل أنت أكثر. إذن فالقوة القتالية لكي يتحقق بها ولها النصر لابد أن تكون قوة صابرة قوية في إيمانها قادرة على تحمل شدة القتال وعنفه.
ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى تعليل هذا الحكم الإيماني الذي أبلغنا به فيقول عز من قائل: {يا أيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يغلبوا أَلْفًا مِّنَ الذين كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65].
إذن فالسبب في أن المؤمن يغلب عشرة من الكفار، هو أن الكفار قوم لا يفقهون، وما داموا لا يفقهون، يكون المقابل لهم من المؤمنين قوما يفقهون. وهنا نقارن بين المؤمنين الذين يفقهون، والكفار الذين لا يفقهون ونقول: إن الكافر حين يقاتل لا يعتقد في الآخرة، وليس له إلا الدنيا ويخاف أن يفقدها، ولذلك حين يوجد الكافر في ساحة الحرب فهو يريد أن يحافظ على حياته ولو بالفرار، ولكن الدنيا بالنسبة للمؤمن رحلة قصيرة والشهادة هي الفوز برضوان الله ودخول الجنة بلا حساب، ولذلك فإنه يقبل على القتال بشجاعة من يريد الاستشهاد. ونجد خالد بن الوليد يقول للفرس: أتيتكم برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة.
فلو أن الكفار فقهوا أي فهموا أن الدنيا دار ممر ومعبر للآخرة، وأن الآخرة هي المستقر لأنها الدار الباقية، لامتلكوا قوة دافعة للقتال، ولكنهم يريدون هذه الحياة لأنها بالنسبة لهم هي كل شيء. ولذلك يعلمنا القرآن الكريم فيقول: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين} [التوبة: 52].
أي لن يحدث لنا في هذه الحرب إلا ما هو حسن، فإما أن ننتصر ونقهركم ونغنم أموالكم، وإما أن نُسْتَشْهَدَ فندخل الجنة وكلاهما حسن. ويكمل الحق سبحانه وتعالى: {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فتربصوا إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52].
أي أنكم أيها الكفار لن يصيبكم إلا السوء والخزي. إما عذاب شديد من عند الله بغير أسباب، وإما عذاب بأيدينا أي بالأسباب. إذن فالكافر حين يدخل المعركة لا ينتظر إلا السوء، إما أن يقتل ويذهب إلى جهنم- والعياذ بالله-، وإما أن يصيبه الله بعذاب يدفع الخوف في قلبه أثناء المعركة.
والكفار في القتال لا يعتمدون إلا على قوتهم وعددهم وعُدتِهم؛ أما المؤمنون فيعتمدون أولًا على الله القوي العزيز ويثقون في نصره. ولذلك يقبلون على القتال ومعهم رصيد كبير من طاقة الإيمان وهي طاقة تفوق العدد والعدة، ويكون المقاتل منهم قويا في قتاله متحمسًا له؛ لأنه يشعر أنه مؤيد بنصر الله. ونعلم أن كل إنسان يحرص على الغاية من وجوده؛ وغاية الكفار متاع الحياة الدنيا المحدود، أما غاية المؤمنين فممتدة إلى الآخرة. ولذلك فالكافر يحارب بقوته فقط وهو مجرد من الإيمان.
ونلاحظ أن النصوص خبرية في قول الحق تبارك وتعالى: {يا أيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يغلبوا أَلْفًا مِّنَ الذين كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65].
والنصوص الخبرية ليس فيها طلب، وإن كان الطلب يخرج مخرج الخبر ليوهمك أن هذا أمر ثابت. وعندما قام بعض المتمردين من سنوات ودخلوا الحرم بأسلحتهم وحاصروا الناس فيه قال بعض السطحيين: إنَّ القرآن يقول: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97].
وأن هذا خبر كوني معناه أن كل من دخل الحرم كان آمنًا، وقلنا: إن قول الحق تبارك وتعالى: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97].
هذا كلام الله؛ فمن أطاع الله فليؤمِّن من يدخل الحرم. وقد تطيعون فتؤمِّنون من يدخل الحرم وقد تعصون فلا تؤمِّنونهم. إذن فالمسألة هي حكم تطيعونه أو لا تطيعونه، كذلك قول الحق سبحانه وتعالى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء} [البقرة: 228].
هذا كلام خبري. فإن أطاعت المطلقة الله؛ انتظرت هذه الفترة، وإن عصت لم تنتظر، وكذلك قوله تعالى: {والطيبات لِلطَّيِّبِينَ والطيبون لِلْطَّيِّبَاتِ} [النور: 26].
وقد نرى في الكون زيجات عكس ذلك؛ تجد رجلًا لئيمًا يتزوج بامرأة طيبة؛ وامرأة لئيمة تتزوج رجلًا طيبًا، وقد تتساءل: لماذا لم يتزوج الطيب طيبة مصداقًا لقول الحق، ولماذا لم يتزوج الخبيث خبيثة؟
ونقول: لقد أخطأت الفهم لقول الله تعالى، فما قاله الله ليس خبرًا كونيا، ولكنه خبر تشريعي ومعناه: زوجوا الطيبات للطيبين، وزوجوا الخبيثات للخبيثين، فإن فعلتم استقامت الحياة، وإن عصيتم لا تستقيم الحياة؛ لأن الرجل الخبيث إن عاير امرأته وأهانها فهي ترد عليه الإهانة بالمثل ويكون التكافؤ موجودًا حتى في القبح. ولكن الشقاء في الكون إنما يأتي من زواج الطيب بالخبيثة، والخبيث بالطيبة، وليس معنى الآية- إذن- أنك لا تجد طيبًا إلا متزوجًا من طيبة، ولا خبيثًا إلا متزوجًا من خبيثة؛ لأن هذا أمر تكليفي تشريعي، فإن فعلت تكون قد أطعت، وإن لم تفعل تكون قد عصيت. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {يا أيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال}
التحريض كالتحضيض والحث.
يقال: حَرَّضَ وَحَرَّشَ وحرَّكَ وحثَّ بمعنىً واحد.
وقال الهرويُّ يقال: حَارَضَ على الأمر، وأكَبَّ، وواكبَ، وواظبَ، وواصبَ بمعنىً.
قيل: وأصله من الحَرَض، وهو الهلاك، قال تعالى: {حتى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين} [يوسف: 85].
إنِّي امْرؤٌ نَابَنِي همٌّ فأحْرَضَنِي ** حتَّى بَليتُ وحتَّى شَفَّنِي سَقَمُ

قال الزجاج: تأويل التحريض في اللُّغةِ أن يُحَثَّ الإنسان على شيءٍ حتى يُعلمَ منه أنَّه حارضٌ والحارض: المقاربُ للهلاك واستبعد النَّاسُ هذا منه، وقد نَحَا الزمخشريُّ نحوه، فقال: التَّحريضُ: المبالغةُ في الحثِّ على الأمر، من الحرَض، وهو أن ينهكه المرض، ويتبالغ فيه حتى يُشْفِيَ على الموت أو تُسَمِّيه حَرضًا، وتقولُ له: ما أراك إلاَّ حَرضًا.
وقرأ الأعمش {حَرِّصْ} بالصاد المهملة، وهو من الحِرْصِ، ومعناه مقارب لقراءة العامة.
قوله: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} الآيات.
أثبت في الشرط الأول قيدًا، وهو الصبرُ، وحذف من الثاني: وأثبت في الثاني قيدًا، وهو كونهم من الكفر، وحذف من الأوَّلِ، والتقديرُ: مائتين من الذين كفروا، ومائة صابرة فحذف من كلٍّ منهما ما أثبت في الآخر، وهو في غاية الفصاحة.
وقرأ الكوفيون: {وإن يكُنْ منْكُم مائةٌ يَغلِبُوا}، {فإنْ يكنْ منكُم مائةٌ صابرةٌ} بتذكير {يكن} فيهما، ونافع وابن كثير وابن عامر بتأنيثه فيهما، وأبو عمرو في الأولى كالكوفيين وفي الثانية كالباقين.
فَمَنْ ذكَّر فللفصل بين الفعل وفاعله بقوله: {مِنكُمْ}؛ لأنَّ التأنيث مجازي، إذ المراد بالمائة الذُّكور، ومنْ أنَّثَ فلأجل اللفظِ، ولم يلتفت للمعنى، ولا للفصل.
وأمَّا أبو عمرو فإنَّما فرَّ بين الموضعين فذكَّر في الأول، لما ذكر؛ ولأنَّهُ لحظ قوله: {يغلبوا} وأنَّثَ في الثاني، لقوة التأنيث بوصفه بالمؤنث في قوله: {صَابِرَةٌ}، وأمَّا: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ} و{وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ} فبالتذكير عند جميع القرَّاء، إلاَّ الأعرج، فإنه أنَّثَ المسند إلى {عشرون}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (66):

قوله تعالى: {الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

وتصديره هذه الجملة ب {الآن} يشير إلى أن النسخ كان قبل أن تمضي مدة يمكن فيها غزو، وفائدة الأمر المعقب بالنسخ حيازة الأجر بقبوله والعزم على امتثاله، وقيل: ما كان النسخ إلا بعد مدة بعد أن سألوا في التخفيف؛ وروى البخاري في التفسير عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: لما نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم ألا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف فقال: {الآن خفف الله عنكم}- الآية؛ فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
والمعنى أنه كان كتب مقدرًا من الصبر لكل مؤمن، فلما خفف أزال ذلك بالنسبة إلى المجموع، وهذا لا يمنع استمرار البعض على ما كان كما فعل سبحانه بالصحابة رضوان الله عليهم في غير موضع منها غزوة مؤته، فقد كانوا فيها ثلاثة آلاف، وكان من لقوا من جموع هرقل مائتي ألف: مائة من الروم ومائة من العرب المستنصرة، فصبروا لهم ونصروا عليهم كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مخبرًا عنهم في هذه الغزوة: «ثم أخذ الراية عن غير إمرة سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه» ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتد عامة الناس حتى لم يثبت على الإسلام عشر العشر فصبر الصحابة رضوان الله عليهم لهم ونصروا عليهم، بل الذي صبر في الحقيقة أبو بكر- رضى الله عنهم- وحده، ثم أفاض الله من صبره ونوره على جميع الصحابة- رضى الله عنهم- م فصبروا، ثم جهز الجيش وأميرهم الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم سيف الله، فأخمد الله به نار الشرك وقطع بصبره وحسن نيته جاذرة الكفر فلم تمض سنة وفي بلاد العرب مشرك.
فلما جمع الله العرب بهذا الدين على قلب رجل واحد قصدوا الأعاجم من الفرس والروم والقبط، فقاتلوا أهل فارس في عدة وقائع منها القادسية، وكان الصحابة- رضى الله عنهم- م فيها دون أربعين ألفًا، وكان المجوس أكثر من أربعمائة ألف، وقاتلوا الروم كذلك فكانوا في اليرموك دون أربعين ألفًا وكان الروم نحو أربعمائة ألف- إلى غير ذلك من الوقائع وقد صبروا في أكثرها ونصروا، ثم كانت لهم العاقبة فطردوا الشرك وأهله، وأظهر الله لهم دينه كما وعد به سبحانه، وما اجتمع أهل الإسلام وأهل الضلال قط في معرك إلا كانت قتلى الكفار أضعاف قتلى المسلمين غير أن الله تعالى جده وتبارك اسمه وتمت كلمته ألطف بالعرب علمًا منه بأنهم خلاصة الناس بما طبعهم سبحانه عليه من الخصال الحميدة والأخلاق السديدة فأسلم كل من اشتملت عليه جزيرتهم بعد وقائع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وزمان الردة، ولم تبلغ قتلاهم فيما أظن عشرة الآف إنسان، ثم لما جاهدوا الأعاجم من فارس والروم وغيرهم كانت قتلى الكفار تبلغ في المعركة الواحدة مائة ألف ومائتي ألف- كما هو مشهور في كتب الفتوح للمدائني وسيف وابن عبد الحكم والبلاذري وغيرهم، وقد جمع أشتات ذلك الحافظ أبو الربيع بن سالم الكلاعي وشيخه ابن حبيش، ولعله حذف في الثانية التقييد بالكفار ليشمل كل ما استحق القتال من البغاة وغيرهم، فقال تعالى مسببًا عن التخفيف المذكور رادًا الأمر من إيجاب مصابرة عشرة إلى الأمر بمصابرة الضعف، فإن زاد العدد على الضعف جاز الفرار والصبر أحسن: {فإن يكن منكم مائة صابرة} أي الصبر الذي تقدم التنبيه عليه {يغلبوا مائتين} أي من غيركم بإذن الله: {وإن يكن منكم ألف} أي على النعت المذكور وهو الصبر {يغلبوا ألفين} ثم أرشد إلى أن المراد بالصبر هو كل المأمور به في آية: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا} [الأنفال: 45] فقال: {بإذن الله} أي بإرادة الذي له جميع الأمر، ذلك وإباحته لكم وتمكينه، فإن لم يقع الإذن لم يقع الظفر، فالآية من الاحتباك: ذكر في الأول صابرة دلالة على حذفه ثانيًا، وذكر ثانيًا الإذن دليلًا على حذفه أولًا؛ ثم نبه على عموم الحكم بقوله: {والله} أي المحيط بصفات الكمال {مع الصابرين} أي بنصره ومعونته، ومن ثم قال ابن شبرمة: وأنا أرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك.